. أ /
النبي صلي الله عليه وسلم – قد ارسي دعائم المجتمع الجديد في المدينة المنورة على أسس من العدل والمحبة والاخاء والتكافل الاجتماعي – وحرص – عليه الصلاة والسلام – على أن يجعل هذا المجتمع مجتمعا أمنا ويعيش في سلام ويعلم الجميع أن المسلمين منذ هجرتهم من مكة إلى المدينة كانوا يحنون إلى رؤية وطنهم الذي اخرجوا منه ظلما وبغير حق ويتشوقون إلى رؤية المسجد الحرام الذي تمتلئ أنفسهم بقدسيته وتعظيمه ، =فلما سمع الرسول – صلي الله عليه وسلم – منهم هذا الكلام وراي اثر الحنين إلى مكة في نفوس المسلمين قال :- (( اللهم حبب إلينا المدينة كمحبه مكة أو أشد )) وعلى الرغم من الانتصارات التي تمت للمسلمين في كثير من الغزوات والمعارك التي خاضوها ضد قريش وغيرهن القبائل ، والتي أشعرت المسلمين بالعزة والكرامة ، والقت الرعب والخوف في قلوب أعدائهم ، إلا أن قريشا كانت تحول بين المسلمين وبين دخول مكة لزيارة المسجد الحرام ، لأنها لا تراهم يستحقون هذا الشرف مادام رسولهم قد جاء بدين جديد جعل الالهه ألها واحدا ، وسوي بين الناس جميعا وقلب موازين الحياة كلها .
وبينما كان المسلمون مجتمعين في المسجد النبوي ذات صباح إذا طلع عليهم النبي صلي الله عليه وسلم وانبئهم راه في نومه من انه دخل هو واصحابه المسجد الحرام آمنين محلقين رؤرسهم ومقصرين ، واخبرهم انه يريد العمره معهم ، ففرحو واستبشروا واستعدوا للخروج منتظرين ما أخبرهم به رسولهم الكريم وفي يوم الاثنين غره ذي القعدة من السنة السادسة للهجرة خرج رسول الله صلي الله علية وسلم – واصحابه من المهاجرين والأنصار ومن لحق بهم من العرب فبلغت عدتهم آلفا وخمس مائه رجل لم يحملوا من السلاح إلا السيوف في اغمادهم يريدون زيارة بيت الله الحرام لاداء العمره .
ولما علمت قريش بخروج الرسول عليه الصلاة والسلام – المسلمين اجمعوا أمرهم ضد المسلمين عن مكة ومنعهم من دخولها بياي حال ، وجهزوا لذلك جيشا قويا على رأسه خالد بن الوليد وعكرمة بن أبى جهل .
وقد علم رسول الله صلي الله عليه وسلم بذلك فأراد أن يتجنب الشر والخطر ، ويبعد المسلمين عن القتال ماداموا لم يتهيؤا له ، ولم يخرجوا لاجله ، فسار بهم في طريق أخر متجنبا جيش الكفر والشرك فلما رأي خالد ما فعل المسلمون رجع إلى قريش واخبرهم الخبر ، وبين لهم أن محمد لا ينوى شرا وان سلوكه يدل على حبه للسلام ورغبته في تحقيق الغاية التي خرج من اجلها وهي زيارة المسجد الحرام ولما وصل الرسول صلي الله علية وسلم منطقة " الحديبية " أمر أصحابه بالنزول ونصب الخيام ليفاوض قريشا ، ويري ما تسفر عنه الأحداث فيما بعد .
وفي هذه الأثناء قد كانت هناك محاولات من التفاوض لدخول الرسول الكريم صلي الله وسلم والمسلمين مكة لكن رفض ذلك كفار قريش واشتد الأمر حتى اقبل المسلمون جميعا يبايعون الرسول صلي الله وسلم ويبيعونه على الموت فرضي الله عنهم بتلك البيعة التي سميت " بعيه الرضوان " وهي البيعة الخالدة في تاريخ الإسلام .
وهنا فقد شعرت قريش بالخطر الذي يشهدها فأدي الأمر إلى التفاوض بين الطرفين على الشرط التالية :-
إن توقف الحرب بين الطرفين لمدة عشر سنوات يأمن فيها الناس .
أن يرجع محمد صلي الله عليه وسلم واصحابه هذا العام ، فإذا جاء العام القادم دخلوا مكة واقاموا بها ثلاثة أيام بعد أن تجلوا منها قريش .
أن يرد محمد صلي الله عليه وسلم كل من انضم إليه من قرشيين دون أذن من ولى أمره ، أما قريش فلا ترد من يأتي إليها من المسلمين .
من احب من العرب أن يدخل في حلف مع الرسول صلي الله عليه وسلم فله ذلك ومن أراد أن يدخل في حلف قريش فله ذلك وبعد ذلك وبعد أن انقضي العام على صلح الحديبيه خرج – النبي – صلي الله عليه وسلم في ألفين من أصحابه لزيارة البيت الحرام وكان لهم ذلك ، وبعد أداء مناسك العمره ، عادوا إلى المدينة المنورة وهم يحملون رأيه النصر والظفر .
وهنا تجلت حكمه الرسول صلي الله عليه وسلم وبعد نظره وقدرته على سياسة الأمور .
[size=16]